مرتبة العلم دل عليها الحديث السابق، ودل كذلك عَلَى مرتبة أخرى وهي مرتبة الكتابة، فإن الله قد كتب مصير كل نفس في الجنة أم النَّار، ولهذا قلنا: إن المراتب الأربع يمكن أن نختصرها إِلَى مرتبتين العلم والكتابة ومرتبة الخلق والمشيئة مرتبة ثانية، فالمصنف رَحِمَهُ اللَّهُ أتى بالآيات الدالة عَلَى أنه لا حجة للخلق عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، بل لله الحجة البالغة عَلَى خلقه أجمعين.
ولوضوح عبارة الطحاوي لم يتعرض المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ لها وهي قول الطّّحاويّ: [وقد علم الله تَعَالَى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة وعدد من يدخل...] فالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يعلم عدد أهل الجنة وأهل النَّار، فلن يزداد في هَؤُلاءِ، ولن ينقص من هَؤُلاءِ أحد، وهنالك دليل تقدم معنا يدل عَلَى ذلك وهو: لما استخرج الله سبحانه من ظهر آدم ذريته فقَالَ: (هَؤُلاءِ للجنة ولا أبالي، وهَؤُلاءِ للنار ولا أبالي).
إذاً: فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما استخرجهم منهم أصحاب اليمين، ومنهم أصحاب الشمال؛ فالأمر قد قضى وانتهى، وجفت به الأقلام، وجرت به المقادير، وكذلك أفعالهم علمها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى،
والحديث الذي أورده المُصنِّف يدل عَلَى هذا في قوله: [ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها في الجنة أو النار] ثُمَّ عقب هذا الكلام بقوله: [وكل ميسر لما خلق له].